لم يكن من المستغرب صدور الكلام الذي نقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية والعالمية منذ فترة، عن النائب السابق لرئيس اركان القوات الاسرائيلية "يائير غولان" والذي اكد فيه ان بلاده لا يمكنها مواجهة ايران في ظل تواجد "العلماء الجيدين وجيل الشباب الموهوب في طهران".
ولكن اللافت في هذا الكلام انه اتى، وفق الوسائل الاعلامية نفسها، امام مسؤولين اميركيين رغبوا في الاطلاع على الخطوط العامة للسياسة الامنية والعسكرية الاسرائيلية، وهو امر بالغ الاهمية لانه يحمل معه اكثر من مؤشر.
المؤشر الاول انه اعتراف واضح وضريح بأن اسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة اولاً واخيراً من الناحيتين الدبلوماسية والعسكرية، وان زمن الخلاف الذي ساد في فترة من الفترات مع الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما لا يجب ان يعود في اي شكل من الاشكال مع الرئيس الحالي دونالد ترامب. ويمكن وضع كلام "غولان" في خانة التحضير للزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى الامم المتحدة ولقائه ترامب وكبار المسؤولين الاميركيين، والتي سيؤكد فيها ان اسرائيل تتطلع الى واشنطن لمساندتها في البقاء وفي مواجهة الخطر الايراني.
المؤشر الثاني الذي حمله كلام المسؤول العسكري الاسرائيلي السابق، يتعلق بالحصول على المزيد من الاسلحة والدعم من اميركا، في مقابل المشهد الذي يسود على الساحة الاقليمية حالياً من العراق الى سوريا والذي باتت فيه طهران حاضرة بقوة، وقادرة على قلب ميزان المواجهة. ولعل القطبة المخفية في موقف "غولان" تكمن في تشبيهه ايران لاسرائيل من حيث الصناعة والبنية والتقدم الذي شهدته، اي بمعنى آخر فإنه يقول ان قدرات ايران مشابهة لقدرات اسرائيل ولم يعد هناك من مجال للحديث والاعتماد على تفوق اسرائيلي في هذا المجال، وبالتالي الاعتماد على ضربة اسرائيلية بشكل منفرد او "دفع" الاسرائيليين للمغامرة بشك مجاني ومن دون حساب كما كان يحصل في السابق، كما سقط بالتالي مجرد التهديد بخطوة اسرائيلية عسكرية لانه لا يمكن وضعها موضع التنفيذ.
المؤشر الثالث في الموقف الاسرائيلي، هو دعوة ربما لمواجهة ايران عبر طرق غير عسكرية، وبالتحديد دبلوماسية، فليس من الصدفة ان يتم التداول عن تعاون ايراني مع كوريا الشمالية لتخصيب ترسانتها النووية وتعزيزها، فهذا الامر يعزز الكلام الاسرائيلي عن ان الخطر الايراني ليس موضعياً او محصوراً في مكان وزمان، بل تحوّل الى خطر عالمي يجب مواجهته بشتى الوسائل، وربما تكمن الخطوة الاولى باعادة فرض العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران، وهو امر يشجعه ترامب دون ان يقدر على تطبيقه.
لكن العقبة الاساسية في انهاء هذا الاتفاق، انه يتعلق ايضاً بدول كبرى لا ترغب في وضع حد له، وهي تستند ايضاً الى موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اكدت التزام ايران بالاتفاق وبنوده، وبالتالي سحب اي ذريعة يمكن ان تتخذ من اجل استهداف الايرانيين. والموقف الاوروبي واضح بهذا الشأن لجهة الدعم الكامل للاتفاق ورفض اي فكرة لايقاف العمل به او التخلي عنه، لانه يؤمّن للاوروبيين موارد مالية هم بحاجة اليها من جهة، اضافة الى استقرار واضح في العلاقات في الشرق الاوسط التي تعوّل عليها القارة الاوروبية كونها الاقرب الى استقبالها للمخاطر التي تندلع فيها، وما حصل في الحرب السورية من معاناة لاوروبا يشكل التجسيد الفعلي لهذا الموقف.
مؤشرات كثيرة اخرى حملها كلام "غولان"، ومنها الخطر الايراني الالكتروني (لم يتحدث عنه مباشرة لكنه كان مدار بحث لفترات طويلة بين الاميركيين والاسرائيليين وغيرهم من اجهزة الاستخبارات)، لكنها كلها تصب في خانة واحدة، وهي طلب الابقاء على المظلة الاميركية وعدم المخاطرة برفعها لان الاسرائيليين قد لا يحتملون ذلك في هذه الفترة تحديداً، اضافة الى العمل على الشق الدبلوماسي لعرقلة ايران من التقدم والتطور.